إعلانك معنا يعني الإنتشار

أعلن معنا
مقالات

وداعاً مشير الصحافة السودانية نميري شلبي

بقلم/ عبدالرحمن حامد يوسف

‏وداعاً مشير الصحافة السودانية نميري شلبي

بقلم/ عبدالرحمن حامد يوسف

في أواسط تسعينيات القرن الماضي ، في زمنٍ كانت فيه وسيلة الترفيه تمثل معول جيد لبناء الشخصية القويمة ، فأوقات الفراغ كان خير الجليس فيها الكتاب ، ومصادر المعرفة والبيان والخبر (الصُحف) كانت معلومة وموثوقة ومراقبة من جهات مختصة لذلك كانت لها قيمة ومعنى ومذاق خاص ، كان الدُنُو بالقرب من مكتبة الصحف أو الجرائد يضاهي العبور بالأمكان الأثرية والمتاحف والمناطق السياحية ، وكانت لحظة حضور الصحف وقيام صاحب المكتبة بعملية الترتيب والرص في الأماكن المخصصة شبيه بعملية إعداد الكيل وتقديم الطعام من جهات خيرية أو حكومية في سنواتٍ يابسات يشكو فيها الناس المجاعة .
أتذكر دائماً أن للصحف في تلك الأيام رائحة ذكية ومحببة لمدمنيها ، وأن علاقتي بدنيا الجرائد قد بدأت بصحيفة “نبض الكاركتير” ، اطالع فيها الرسومات والموضوعات الساخرة ، وأجتهد في حل الألعاب والتسالي التي تمثل رياضة للذهن وتجديد وتنمية للفكر ووسيلة للرفاهية ، واذكر أنني بدأت بتعلم أول تسلية وكانت تمسى “ضيف العدد” تقوم على توزيع المعلومات المطلوب معرفتها (عن الضيف) بمربعات صغيرة يتم تسميتها بأرقام كل رقم يشير لحرف من الحروف العربية ، وكان يعدها اَنَذاك المميز “معاوية الجاك” كان ذلك قبل إجادتي لحل الكلمات المتقاطعة وباقي التسالي . كنت أتضجر جدا اذا قرّب أحدهم من صحيفتي قبل أن أكملها ، وكان للصفحة الخاصة بشخصية “حاج نظرية” الأسطورية والتي يعدها الصحفي المميز “نميري شلبي” وقع خاص في نفسي لما فيها من عكس لواقع مجتمعنا ومعالجة لقضاياه بصورة لطيفة وقالب أدبي ساخر وبسيط خالي من الخدش والتجريح .
بحكم إنتمائي الرياضي للقبلة الحمراء استمرت علاقتي بالصحافي نميري شلبي من خلال نافذته الرياضية (الرمق الآخير) بالاضافة لأعماله الآخرى في تحرير صحيفة المريخ ، والتي استدام فيها تألقه وتميزه وأسلوبه الخاص فنياً وإدارياً ، وأصبح مصدر إستدلال للأقلام الحمراء في ترديد والتَغزّل في إسلوبه وذكر طرائفه وسخرياته .
لم يكتفى شلبي بمهارة الكتابة والرسم فقط ، بل أبدع خلف عدسات الكاميرا ، والتي عكس بها أجمل اللقطات بملاعبنا الخضراء ، وأذكر من خلال متابعتي لصفحته على منصة فيسبوك ذكر أنه كانت يترصد بعض اللاعبين أصحاب المهارة العالية والرشاقة والخيال الخصب للخروج بلقطات فوتوغرافية جميلة ، ويومها أكثر من المدح في مهارة نجم المريخ السابق عبدالحميد السعودي وقأل أنه يجد ضالته عندما تصل الكرة إليه .
الذي لا يعرفه الكثيرون أن الأُستاذ نميري شلبي يمثل أحد مؤسسي فرقة “تيراب الكوميديا” وله مساهمات فاعلة وضلع قوي في ظهورها المميز ، وله العديد من الأعمال والمؤلفات الأدبية والشعرية والمسرحية ، وقد علمنا مؤخراً أن له في دول الامارات العربية صحيفة يحررها بمفرده حيث يقوم بدور المحرر والمصور والمصمم .
قبل ما يقل عن اليومين من رحيله كنت اتصفح واطالع موقع الفيسبوك وجدته ينعي الكوميديان “عادل فرج الله” الذي حدثت وفاته بمدينة كوستي ، وقمت بنقل الخبر منه لبعض المواقع والمنصات والمهتمين ، بعدها بما يزيد عن اليوم نعاه عضو في مجموعة رياضية ، وأذكر أنني قد قلت ليه :(قبل ساعات نشر على صفحته خبر ، أرجو التاكد من صحة حديثك) .. لم يغب كثيراً الا وأتآني بتأكيد للخبر الآليم الذي زاد عليّ وعلى عامة الشعب السوداني الحزن والمصائب .
من وجهة نظري الخاصة يستحق الاستاذ نميري عبدالرحمن شلبي الذي عاش بسيطاً عفيفا جادا ومجتهدا في بحور الصحافية والادب مستصحباً حسن المعشر ، يسحتق أن يُلقَّب بمشيرِ الصحافةِ السودانية بالرغم من أنه لم يُصنّف يوماً قائدا لأسطولها الا أنه ومن خلال ما يملك من موهبة واجتهاد وتدريب وقيامه بدور الاعلامي المتكامل خلافاً لمعرفته بالقانون الذي درسه وعمل به في مجال المحاماة ، كل تلك الصفات عندما تجتمع في رجل واحد بكل تأكيد فإن فقده جلل وعصيب ليس فقط على مستوى السودان ، أنما هو فقد للصحافة العربية .. نسأل الله أن يتقبل منه جهده واخلاصه في الرسالة التي حملها بكامل الرضا وأوصلها لنا بأفضل مما هو متصور ومما يكون .. وان يرحمه ويجعل الجنة مثواه .. انا لله وانا اليه راجعون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى