
رضا حسن باعو
لم يهنأ مصدرو الذهب كثيراً بالقرار الذي أصدرته الحكومة بشراء الذهب وفقاً لأسعار البورصة العالمية ريثما يتم إنشاء بورصة سودانية للذهب لشرائه وفقاً للأسعار العالمية، وبعد أن فرح واستبشر المشتغلون في إنتاج وتصدير المعدن النفيس وأعلنوا دعمهم لسياسات حكومة السلام بأن التزموا على لسان الأمين العام لشعبة مصدري الذهب عبد المولي القدال بتوفير (150) مليون دولار شهرياً للحكومة، لكن فرحتهم ما تمتش بعد ان طعنتهم الحكومة في ظهرهم بايكال عملية شراء الذهب لبنك السودان المركزي، وهو الأمر الذي فشل فيه البنك المركزي طيلة عقد كامل من الزمان خلال فترة حكم النظام البائد، حيث وقع بنك السودان المركزي الذي يفترض أن يكون محايداً في المحظور حينها عندما لم يمارس العدالة في عمله ومنح جهات بعينها امتياز شراء الذهب، وعندها لم تعد حصائل صادره الى خزانته وظلت خاوية على عروشها الى ان سقط نظام البشير.
من عجب أن الحكومة وبعد أن عومت سعر الصرف وأعلنت شراء الذهب وفقاً للاسعار العالمية منعاً للتهريب الذي انهك جسد الاقتصاد الوطنى، تعود وتعيد الأمر من جديد لبنك السودان المركزي كأنها لم تستفد من تجريب المجرب الذي لم ينفع ويجدي من قبل النظام السابق.
وابدى مصدرو الذهب حسن نواياهم والتزموا للدولة بتوفير مبلغ مائة وخمسين مليون دولار شهرياً، وهو مبلغ من شأنه أن يعين الدولة في توفير السلع الاستراتيجية كالدواء والوقود والدقيق الذي فاقم معاناة الشعب السوداني سنين عدداً، فبالتالي كان على الحكومة ان تقابل هذه الخطوة بأحسن منها وتجلس مع مصدري المعدن النفيس وتعمل على معالجة مشكلاتهم ان وجدت، لا ان تضع لهم شروطاً قاسية ستدفع الحكومة ثمنها لاحقاً عندما يشتري بعض المستوردين دولار البنك المركزي وجلب سلع كمالية لا تسمن الشعب ولا تغنيه من جوع.
على الحكومة فتح المجال واسعاً أمام الجميع بشأن صادر الذهب طالما أنها حررت سعر الصرف وتبحث عن آلية تنفيذ مصدري الذهب لالتزامهم بتوفير مبلغ المائة وخمسين مليون دولار التي التزموا بها شهرياً، ومن ثم العمل كشركاء لزيادة هذا المبلغ بما يمكن الحكومة من إحداث الاستقرار الاقتصادي لحين العمل على زيادة الإنتاج من المنتجات الإستراتيجية الاخرى التي يمكنها أن تزيد عائدات الدولة من العملات الأجنبية.
يلعب الذهب الآن دور الدرب المنقذ لجسد الاقتصاد العليل، وبمقدوره ان يسهم في إخراجه من غرفة الإنعاش، وبعدها إعطاء الاقتصاد الجرعات العلاجية اللازمة التي تمكنه من شد حيله والوقوف على رجليه استعداداً للانطلاق، لذا على الحكومة ان تجلس وتسمع لمصدري الذهب وتستمع لرؤيتهم وتعالج مخاوفهم من جعل شراء الذهب عبر بنك السودان المركزي ان كانت حريصة على إنقاذ الاقتصاد الوطني وإخراجه من غرفة العناية المكثفة، وإلا فلا أعتقد أنه سيتعافى طالما ان الحكومة لم تأتِ بجديد وتمارس ذات سياسات النظام البائد في مايلي تصدير الذهب، وحينها تكون يا جبريل كأنك لا جيت ولا غزيت.